"التأويل الفلسفي والعرفاني للقرآن " لصاحبه د.غفران حسايني .. مبحث في القرآن والتأويل وفهم النص الديني

التأويل الفلسفي والعرفاني للقرآن عند صدر الدين الشيرازي، كتاب جديد ينضاف إلى المكتبة التونسية والعربية، صدر حديثا عن دار الكتاب تونس في مجلد ضخم من 622 صفحة، لصاحبه، د.غفران حسايني، الكاتب التونسي المتخصص في الدراسات الحضارية والإسلاميات، والمهتم بالدراسات الفلسفية والعرفانية والخطاب الديني
المؤلف قدمه الاستاذ محمد بن الطيب ،أستاذ الحضارة والتصوف الإسلامي بجامعة منوبة ، اذ تكمن أهمية الكتاب في معالجته لموضوع متشعب تتداخل فيه حقول معرفية مختلفة التقى فيها تأويل القرآن بالفلسفة والعرفان من خلال مدرسة الحكمة المتعالية لآخر الفلاسفة والعرفاء المسلمين صدر الدين الشيرازي الذي عاش في القرن السابع عشر للميلاد
ويستلهم الكتاب قيمته من أهمية مسألة "تأويل القرآن" ،وهو البحث عن المعنى الخفي المستور الذي يستكشفه العقل وتلتقطه الروح من خلال مدرسة فلسفية كبيرة قد طرق أبوابها وتعمق في رحابها د.غفران حسايني في علاقة بالقرآن والتأويل وفهم النص الديني
يقول محمد بن الطيب أن جهود الشيرازي تعتبر صفوة منابع فلسفية متعدّدة، ومشارب فكرية متنوّعة، انصهرت في مدرسته الفلسفية "الحكمة المتعالية"، فكانت وريثة الحكمة الإسلامية ، بالإضافة إلى مصادر الإسلام الأساسية من القرآن والمرويات النبوية، متبوعة بالشهود والوجدان والعقل والبرهان، لتشكّل مزيجا عجيبا فلسفيا عقليا دينيا شرعيا صوفيا، جامعا بين المعقولات والمنقولات والكشفيّات والذوقيّات.
صاحب المؤلف ، اهتم في الكتاب بمدرسة فلسفية لم تنل حظها بالقدر الكافي من الدرس في الحقل الاكاديمي ،وطمح الى تمعن الخطاب الديني مع الشيرازي الذي ألف في شتى مجالات المعرفة الدينية والفلسفية والعرفانية برؤية جامعة بين العقل والنقل، والشريعة والحقيقة، متجاوزا كبرى الإشكاليات الفكرية التي أرهقت العقل الإسلامي على مدى قرون، دافعا بفهم كلام الله إلى أفق كوني ما بعد الملل والنحل ،في استجابة لمقصد الخطاب الإلهي ليجيب عن أسئلة الوجود والإنسان ويفسر الإيمان بالله والنبوة والآخرة تفسيرا متأسسا على العقل الفلسفي والكشف الشهودي العرفاني المؤيد بمعاني آيات كلام الله في القرآن .
يستعرض د. غفران حسايني في كتابه مجمل السياقات التي أحاطت بالتأويل الفلسفي والعرفاني للقرآن عند صدر الدين الشيرازي ،متعمقا في مسارات حياة هذا الفيلسوف الكبير ، حيث أبحر بنا الكاتب في السياق الديني الذي نشأ فيه التأويل الفلسفي عند الشيرازي في عصر كانت تتجابذه الصراعات بين المدارس الإسلامية ، وهيمنت على جلها القراءات السطحية الظاهرية، أو الاتجاهات المناقضة للمعقول والمنقول
وكلما تغوص بين اسطر الكتاب،الا وانتقل بنا المؤلف إلى السياق الذي التقت فيه ينابيع متعددة من الثقافة التأويلية العرفانية إلى عمق التفكير الفلسفي البرهاني مع أثر المدارس العرفانية الكشفية التي كانت تتنازع حول طرق الوصول إلى الحقيقة القرآنية بين التفكير العقلي الصرف وبين الكشف الشهودي القلبي عند المتصوفة.
وقد اشتغل د. غفران حسايني على تفكيك رؤية الشيرازي التأويلية الفلسفية والعرفانية ،باحثا في أهمية القرآن في البحث الفلسفي العرفاني لمدرسة الحكمة المتعالية، باعتبار آياته كانت مولدة للتفكير العميق في شتى القضايا الفلسفية والعرفانية مثل الوجود والإنسان، والحق والمبدأ ،والمعاد والحقيقة ،وغيرها من المباحث المعقدة
الكتاب من المطلع الى القفل، بحث في دوافع التأويل الذاتية والفلسفية والصوفية ومشروع التجديد الديني عند الشيرازي ، ثم بسط القول في أسسه الوجودية والبيانية والفلسفية والعرفانية التي تتعاضد جميعها لإنتاج المعرفة، فيلتقي البيان بالبرهان والعرفان، اين "تدرك الحكمة بمراتبها المتصاعدة"وهو ما يقود إلى البحث في أدوات التأويل للوصول إلى الحقيقة القرآنية في مراتبها الوجودية بين العقل في مفهومه ومجالات تفكيره الحسية ،إلى القلب الوسيط بين عالمي الحس والمعنى، إلى النفس الإنسانية في مدلوها الفلسفي والقرآني
المؤلف تمحص ايضا، تأويل القرآن، وهي معرفة الحق الأول -الله- ودلالات وجوده العقلية وبراهين الاستدلال عليه ، ومعرفة النبوة باعتبارها الوسيط بين الحق والخلق، لتقودنا إلى معرفة الإنسان لنفسه وعلة وجوده وسيره نزولا من خلق آدم إلى الوجود الأرضي الحسي ثم كيفية وصوله إلى الحق بانفتاح ما يسميه الشيرازي " قوس الصعود المعنوي إلى الله"
إن كثافة المباحث في الكتاب وتشعب حقولها المعرفية جعلت الاستاذ محمد بن الطيب يعتبر أن غفران حسايني وفّق عبر مؤلفه في دراسة مدونة تأويلية ضخمة أنتجها عقل من عقول الفلسفة الإسلامية الكبار، ونجح في فهمها وتحليلها، وأحاط بأشتاتها، وتمكّن من السيطرة على تفاريعها وجزئياتها، والخوض في قضاياها وإشكالياتها، والوقوف على مرجعياتها وآليات اشتغالها، وتعامل معها تعاملا نقديا.
هو كتاب كما قال عنه صاحبه د. غفران حسايني سيعطي للقارئ فهما اخر للايات وللقران الكريم في أفق الفلسفة والعرفان،وهو ارتقاء بالمعنى والفهم ،والعقل والروح إلى مقامات الحكمة والمعرفة ،وعودة بمعاني النص القرآني إلى أفقها الكوني الإنساني من خلال فيلسوف قد التقت في مدرسته ينابيع التفكير الديني والفلسفي والعرفاني ، سيما وانه قد استبدت بأفهامنا التفسيرات الضيقة داخل الملّة والفرقة والطائفة التي عصفت بواقعنا العربي والإسلامي في أتون الشقاق والفتنة