ملتقى تونس للرواية العربية يناقش في جلسته الثانية "الحلم" بوصفه آلية تخييلية في السرد العربي"

تواصلت بدار الكتب الوطنية بتونس العاصمة بعد ظهر اليوم الخميس أشغال ملتقى تونس للرواية العربية الذي ينظمه بيت الرواية تونس أيام 11 و12 و13 ديسمبر 2025 تحت عنوان "الحلم في الرواية العربية"، بمشاركة نخبة من الكتّاب والباحثين من العالم العربي.وقد اهتم الملتقى بعد ظهر اليوم الخميس في جلسته الثانية بـ "الحلم في الرواية العربية: الحلم آلية تخييلية"، وترأستها الكاتبة والأكاديمية التونسية آمنة الرميلي. وشارك فيها كل من الروائي الأردني أيمن العتوم والكاتب العُماني زهران القاسمي والكاتب التونسي عمر حفيظ.واستهلت آمنة الرميلي الجلسة بورقة بحثية بعنوان "فيما يرى السارد"، تناولت فيها مفهوم الرؤية في النصوص السردية العربية القديمة والحديثة، مستندة إلى نماذج قرآنية أبرزها سورة يوسف. وأوضحت أن للرؤية في التراث العربي وظيفتين أساسيتين هما "الفتنة باعتبارها حدثا يثير الدهشة ويُحدث الأثر" و"العبور بوصفه فعلا تفسيريا يربط بين عالم الرؤيا وعالم الحكاية".
وأشارت إلى أن تقاطع الحلم مع السرد حاضر بقوة في الأدب الحديث، وأن المدرسة التحليلية النفسية أسهمت في ترسيخ فكرة الحلم باعتباره أحد منابع الإبداع وفضاء لإنتاج تأويلات جديدة، مستشهدة بتجارب أدبية عربية من بينها عالم نجيب محفوظ وخاصة مجموعتيه "رأيت فيما يرى النائم" التي جعل فيها الحلم فضاء بنائيا يحكم علاقة الكاتب بالقارئ ويُعيد تشكيل الدلالة السردية.// أيمن العتوم: "الحلم ضرورة سردية"من جهته قدم الروائي الأردني أيمن العتوم مداخلة بعنوان "ضرورة الحلم في الرواية العربية"، أكد فيها أن الحلم عنصر لا غنى عنه في البناء الروائي، معتبرا إياه "ضرورة سردية ونفسية وثقافية". وقد قسّم العتوم وظائف الحلم في الرواية العربية إلى خمس ضرورات هي "الهروب من الواقع القاسي" و"استكشاف اللاوعي وعوالم النفس البشرية و"بناء التوتر السردي وتقنيات التشويق" و"حمل الرموز الثقافية والتراثية"، إلى جانب "تجسيد التحولات التي عرفتها الرواية العربية ما بعد الثورات".ودعّم العتوم مداخلته بنماذج من الرواية العربية المعاصرة، من بينها رواية "اسمه أحمد" ورواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني، مؤكدا أن الحلم مكّن الروائيين من تجاوز حدود الواقع وفتح مسارات جديدة للتأويل وفهم التجربة الإنسانية في سياقات اجتماعية وسياسية معقدة.// زهران القاسمي: "المنامات بين الحياة والرواية"أما المداخلة الثالثة فكانت للروائي العُماني زهران القاسمي تحت عنوان "المنامات والسرد... ما نختبره بين عالمين"، حيث قدم فيها قراءة تاريخية وجمالية للمنامات في التراث العربي، مستشهدا بمنامات الوهراني وبالشعر الجاهلي مثل أبيات عنترة العبسي التي جعل فيها المنام وسيلة لاجتراح المستحيل والتعبير عن الرغبات المحفوفة بالموانع الاجتماعية.
وأشار القاسمي إلى التأثير الكبير لـ "ألف ليلة وليلة" في الأدب العالمي، وخاصة في نشأة الواقعية السحرية، مستحضرا مثال حكاية "رجل من بغداد" التي ألهمت رواية "الخيميائي" لباولو كويلو. وبيّن أن المنامات في الرواية الحديثة تؤدي وظائف متعدّدة، ذاكرا من أبرزها "تحرير السرد من قيود الواقع" و"بناء توقعات القارئ وتوجيه تأويلاته" و"الكشف عن دوافع الشخصيات ومكبوتاتها"، بالإضافة إلى "خلق تناص حي بين التجربة الحياتية وتخييل النوم".
كما أكد أن الحلم "واقع بصيغة أخرى" وأن الروائي "مدعو إلى إدراج المنامات ضمن رؤية فنية واعية بتجارب الناس الفردية والجماعية".
// عمر حفيظ: الحلم فضاء للترميز وكشف الباطن الروائيوقدم الكاتب التونسي عمر حفيظ مداخلة بعنوان "الحلم واستراتيجية الترميز في الرواية العربية"، أبرز فيها أن "الحلم تحوّل إلى بنية دلالية تكشف بواطن الشخصيات وتفتح للرواية آفاقً رمزية رحبة ولم يعد عنصرا ثانويا في السرد فحسب".وأوضح أن الحلم يعمل في النص الروائي على ثلاثة مستويات هي "نفسي يكشف صراعات الشخصيات ومكبوتاتها" و"رمزي يتيح التعبير عن قضايا اجتماعية وسياسية دون مباشرة"، أما المستوى الثالث فهو "بنائي يسهم في تغيير مسار الحكاية وبناء إيقاعها الداخلي".
وأكد أنّ الحلم يتيح إنتاج "حقيقة متخيلة" تمنح القارئ مساحة للتأويل والمشاركة في بناء المعنى، ملاحظا أن هذا الاستخدام يندرج ضمن تقليد عربي طويل يمنح للرؤيا وظيفة معرفية وجمالية تعزز ثراء السرد الروائي المعاصر.يتواصل ملتقى تونس للرواية العربية إلى يوم السبت 13 ديسمبر الحالي، إذ سيتم تنظيم عدد من الجلسات العلمية والحوارات الأدبية التي تبحث موقع الحلم في تطور الرواية العربية، ودوره في ابتكار أشكال سردية جديدة تستجيب لأسئلة الإنسان العربي المعاصر.




14° - 18°

