معرض مدينة تونس للكتاب: "لقاء فكري بعنوان "انفتاح الفلسفة على الفنون

في إطار فعاليات معرض مدينة تونس للكتاب، انتظم اليوم الخميس بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة لقاء بعنوان "انفتاح الفلسفة على الفنون"، الذي أقيم بالتعاون مع كرسي الايسسكو للعيش المشترك ومعهد تونس للفلسفة .
وأثث مداخلات اللقاء كل من أستاذة الفلسفة فوزية ضيف الله و أستاذ الفلسفة والشاعر والكاتب مصطفى الكيلاني.
وفي مُداخلاتها قاربت فوزية ضيف الله ارتباط الفلسفة بالفنون من خلال الطرح النيتشوي لمفهوم "الفيلسوف الفنان"، إذ ينتصر نيتشه في طرحه إلى الفيلسوف المنفتح على مختلف أشكال الفنون ويرى أن مستقبل الفلسفة مرتبط بمفهوم "الفيلسوف الفنان"، وهو ما اُعتبر فرضا لعبارة "هجينة" وحربا خاضها نيتشه ضد الفلسفة الأفلاطونية وانقلابا عليها بما يضع الفن في مرتبة أعلى من الحقيقة ذاتها، من ذلك قوله "لنا الفن حتى لا تقتلنا الحقيقة"، فالفيلسوف الفنان هو الذي يدرك العالم ويسعى لمعرفته من خلال الربط بين المعرفة والإبداع.
جسّد نيتشه ملمح الفيلسوف الفنان، بأنه ينحدر من طبقة الفلاسفة ما قبل السقراطيين، فلاسفة مُراقبون للأفلاطونية ويعتبر المزج بين الفلسفة والفن، مزج طريف وصعب ونادر وهو مزج أسلوبي بالأساس، ويُمارس الفيلسوف الفنان، الفن بإعتباره كشفا شعريا للوجود، ويُمارس الفلسفة بإعتبارها فنا للتعبير والثورة ويطالب بتعدد الحقائق والقراءات والسياقات والمنظوريات ويقاطع "جغرافية الحدود الكانطية بين الملكات" ليخلق من الفكر جمالية أسلوبية ومن الفن فلسفة في نحت الفكر بأسلوب حي ونابض.
وقد تعمقت المُتدخلة في تحليل هذا النموذج بمقاربات مختلفة مرتكزة على عدد من الكتابات النيتشوية وكتابات فلسفية أخرى تنتصر لهذا التقاطع بين الفلسفة والفن.
أما مصطفي الكيلاني ففي تأصيله لعلاقة الفلسفة بالفن انطلق من عدد من التساؤلات الفلسفية من بينها "كيف تستقدم الفنون إليها الفلسفة؟ وكيف تستقدم الفلسفة إليها الفنون؟ ولماذا الفنون متعددة وهل الأصل فن واحد؟"، تساؤلات مثلت مدخلا لطرح علاقة الفنون بالفلسفة وتحديدا اعتبار هايدوغار في آخر حياته أن المستقبل سيكون لل"فلاسفة الشعراء"، فموضوع علاقة الفلسفة بالفنون هو قديم جديد ومستقبلي، حسب تقدير المُتدخل، وهو طرح لمآل الفلسفة والأدب ومختلف الفنون في المستقبل.
ومن خلال أدبية النص الفلسفي التي شرحها انطلاقا من نموذج كتابات هيغل التي يمكن قراءتها قراءة أدبية، وكتابات محمود المسعدي، أبرز الكيلاني المُشترك بين الفنون والفلسفة، إذ يرى أن كتابات المسعدي وخاصة "حدث أبو هريرة قال" تنم عن تأثر بشوبنهاور، وأن القراءات التي دأب المفكرون على تقديمها لنصوص المسعدي من خلال ربطه بنيتشه هي قراءات سطحية لا تدخل في عمق نصوص هذا الأخير، الذي اعتبره مثالا "للتنادي بين الفلسفة والفنون"، فأعماله تحمل أبعادا فلسفية وهي في الآن ذاته تضم حوارات ببنية مسرحية وسينمائية كما أنه يمارس فن الرسم بالكلمات.
وقد اختلف المتدخلان حول مسار المسعدي فيما كان يمشي على خطى نيتشه أو شوبنهاور، اذ تنتصر فوزية ضيف الله إلى القراءة التي تبرز تأثر المسعدي بنيتشه معتبرة "حدث أبو هريرة قال" إعادة لكتاب "هكذا تكلم زرادشت" بلغة عربية ونص مراع للسياق الثقافي الذي تنزل فيه لتبين أن انفتاح الفلسفة على الفنون فرضه استرجاع الجسد لمكانته بعد أن كانت الفلسفة تنتصر للعقل فقط، في حين اعتبر الكيلاني أن نصوص المسعدي تحمل نهايات "شوبنهاورية" وهي تنتصر في النهاية دائما للتصوف، مؤكدا على ضرورة مراعاة سقف التأويل في التعامل مع "كيمياء الأفكار"، وأن لا يقوم المحللون بإعادة تكرار الأفكار الانطباعية والقراءات السطحية للنصوص.
هذا اللقاء الذي انتظم لطرح العلاقة بين الفلسفة والفنون، مثل فرصة لتبادل الأفكار والنقاش البناء حول آليات التحليل الفلسفي وأهمية تكثيف القراءات والانفتاح على مختلف المدارس الفكرية والاختصاصات الاجتماعية والانسانية من أجل تفكيك ارتباط المفاهيم الاجتماعية ببعضها من ذلك ارتباط الفلسفة بالفنون.




11° - 19°








